يمضي مئات المعتقلين في السعودية السنوات المتعاقبة في سجون المملكة، تعرضوا خلالها للعذاب والتنكيل النفسي والجسدي، وحرمانهم من الحقوق، وإطلاق سراحهم أو تقديمهم لمحاكمات عادلة.
ويعاني معتقلو الرأي من عدم السماح لهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم والاعتداء على حقوقهم التي كفلها الدستور والقانون وكفلتها مضامين حقوق الإنسان الدولية، كما تمنع إدارات السجون المعتقلين من زيارة أسرهم، بالإضافة إلى حظر سفر عائلاتهم التعسفي، ليتحول الأمر لعقوبة جماعية تطال شريحة كبيرة من الشعب.
نستعرض في هذا التقرير أهم الأحداث الحقوقية للمعتقلين بالمملكة، والتي جرت في شهر نوفمبر المنصرم.
محاكمات متجددة
يتواصل انتهاك حقوق الإنسان في سجون المملكة، وخاصة بحق معتقلي الرأي، فضلاً عن المعاملة السيئة وظروف الاعتقال غير الانسانية، ووضع كثير من المعتقلين في زنازين انفرادية، وتعمد إهمال المعتقلين صحيا وحرمانهم من التواصل مع عوائلهم، انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان بحق معتقلي الرأي.
وشهد شهر نوفمبر إصدار أحكام جديدة بحق عدد من المعتقلين دون توجيه تهم لهم، مع عدم الاستناد إلى قرائن حقيقية، وهم:
1- الشيخ حسن فرحان المالكي
عقدت المحكمة الجزائية المتخصصة جلسة محاكمة للشيخ حسن المالكي، بعد قضائه 4 سنوات في السجن، دون إصدار أي حكم ضده، وكانت السلطات قد اعتقلت المالكي بـ 17 اكتوبر 2014، دون توجيه أي تهمة ضده، بينما تقول هيئة الدفاع أن الاعتقال ههو عقاب للمالكي بسبب انتقاده التطرف الديني في المملكة، ويتعرض المالكي للتعذيب والإهمال الصحي المتعمد.
2- نجل الداعية سليمان الدويش
قامت المحكمة بعرض نجل الداعية الشيخ سليمان الدويش عبد الوهاب الدويش، على المحكمة بشكل سري، دون علم أهله أو حضور محاميه، وكان الدويش قد اعتقل في بداية عام 2017، بعد مشادة كلامية مع أحد المسؤولين في وزارة الداخلية، إثر مراجعته للمسؤول من أجل إطلاق سراح والده، وفي خضم الجدال قال لهم إن ” والدنا عزيز علينا، إما أن تطلقوا سراحه أو تسجنونا معه”.
3- الدكتور سعود الفنيسان
أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة حكما تعسفياً على الأستاذ الدكتور سعود الفنيسان، يقضي بسجنه لمدة عامين، وكانت المحاكمة سرية افتقرت لأبسط الإجراءات القانونية المعترف بها عالميا، واجه الفنيسان تهما كيدية جميعها تتعلق بحرية التعبير والرأي، ويبلغ الفنيسان 85 عاما، يعمل أستاذ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود.
4- الشيخ ابراهيم الحارثي
قام القضاء في المملكة العربية السعودية بتغليظ عقوبة سجن الشيخ إبراهيم الحارثي من 5 سنوات لـ 8 سنوات، وجاء التغليظ بناء على توصيات أمن الدولة، باعتماد التغليظ على مجموعة من المعتقلين ممن انتهت مدة حكمهم، أو شارفت على الانتهاء.
5- تأجيل جلسات الاستئناف للمعتقلين الفلسطينيين والأردنيين في المملكة
أجلت المحكمة السعودية النطق بالحكم بحق موقوفين فلسطينيين وأردنيين منذ نحو عامين، بينهم ممثل حركة ” حماس ” السابق لدى المملكة محمد الخضري، لـ 3 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ولم تصدر السلطات منذ بدء القضية قبل نحو عامين، أي تعقيب أو توضيح حول الأمر، وأن الموقوفين لديها تتعامل معهم المحاكم المختصة، ويتمتعون بكل حقوقهم التي كفلها لهم النظام.
اعتقالات لا تتوقف
تحمي القانون والأعراف الدولية حقوق الانسان الأساسية، كعدم الاحتجاز التعسفي، وإبلاغ المعتقلين بالأسباب المحددة لاعتقالهم، مع القدرة على الاعتراض على سبب الاعتقال بشكل عادل أمام قاض مستقل ومحايد، وتوكيل محامين للمعتقلين من قبل عوائلهم، والعمل على مراجعة القضايا بشكل دوري، هذه الأعراف والقوانين الدولية لا تنطبق على الإجراءات المتعبة في المملكة، فلم تكتفِ السلطات السعودية بالمعتقلين القابعين خلف القضبان، بل اضافت لهم عددا جديدا، فقد شهد شهر نوفمبر حملة من الاعتقالات، أبرزهم:
1-الدكتور محمد مطر السهلي الحربي
أكدت المصادر الحقوقية المهتمة بقضايا معتقلي الرأي في المملكة خلال شهر نوفمبر، اعتقال الدكتور محمد مطر السهلي الحربي، منذ شهر أكتوبر المنصرم، واقتياده إلى جهة مجهولة، وكان اعتقال السهلي وحشيا وقاسيا، فقد داهمت عناصر من قوات الأمن بيته، وقيدوا يديه وقدميه بالسلاسل واقتادوه إلى جهة مجهولة، دون علم مسبق باعتقاله.
2- المغرد فادي محمد الناصر
أكد حساب معتقلي الرأي، اعتقال السلطات المغرد الشاب فادي محمد الناصر، منذ نوفمبر 2019، وجاء الاعتقال بعد حديثه عن البطالة وحقه في التوظيف، ومشاركته هاشتاق إعفاء تركي آل الشيخ، وكان الناصر قد اختفى منذ عامين دون الإعلان عن اعتقاله حتى من قبل عائلته.
3- الصحفي اليمني محسن أبو لحوم
كانت منظمات حقوقية دولية ومحلية، قد نددت بإجراءات اعتقال أبو لحوم، من أمام منزله بـ 23 اغسطس/آب من العام الجاري، بمدينة نجران جنوبي السعودية، وكان الاعتقال على خلفية نشر تغريدات بحسابه على تويتر.
4- الدكتور محمود مبارك
شهد شهر نوفمبر، تأكيد اعتقال الدكتور المبارك منذ شهرين، ولم تبيّن السلطات أسباب اعتقال المبارك لغاية الآن، ويعمل المبارك عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل.
5-الدكتور عامر متروك الفالح
اختفى الفالح على يد أجهزة النظام قسريا، منذ 20 نوفمبر الماضي، دون بيان أسباب الاعتقال أو إجراء محاكمة علنية له، ثم ما لبثت أن أطلق سراحه بعد مدة من الاعتقال.
6- الدكتور فهد بن صالح العجلان
اعتقلت السلطات السعودية خلال نوفمبر عضو الهيئة التدريسية بجامعة الملك سعود، الدكتور فهد بن صالح العجلان، وجاء الاعتقال على خلفية تعبير العجلان عن رأيه في تغريدات قديمة بحسابه في تويتر.
7- الدكتور عبد العزيز بن أحمد الحميدي
أقدم النظام السعودي على اعتقال الدكتور عبد العزيز بن أحمد الحميدي، وكان الاعتقال وسط ظروف غامضة، جرى الاعتقال بـ 24 نوفمبر، دون معرفة أسباب وظروف الاعتقال، والحميدي يعمل أستاذا في العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
بشائر الحرية
حياة السجون والمعتقلات تضج بالتحديات والقسوة والتأثير النفسي والجسدي على حياة المعتقل، وهو يمضي أيامه في غياهب السجون بعيداً عن أهله وذويه، مع الظلم المستمر والقهر الواقع على المعتقل، يمضي المعتقلين الليالي وهم يفكرون بأبنائهم وذويهم، ومن يعولهم ويقوم بالإنفاق عليهم، فمن يعوض المعتقلين سنوات السجن التعسفي دون محاكمات عادلة ومن يعوض أولادهم حنان الأبوة.
لهذا كانت الحرية أسمى ما يحفل به الإنسان في الحياة، فقد هبت نسائم الحرية على عدد من معتقلي الرأي بعد أن قضوا عددا من السنوات بعيدين عن أهلهم وذويهم، وهم:
1-الدكتور عبد اللطيف الحسين
أطلقت السلطات السعودية سراح عبد اللطيف الحسين، بعد 4 سنوات من الاعتقال التعسفي، والتغييب القسري، ويعمل الحسين أستاذا للثقافة الإسلامية في جامعة الإمام.
2- الشاب محمد تيسير آل نمر
كانت مصادر حقوقية أكدت في شهر نوفمبر إطلاق سراح الشاب محمد تيسير آل نمر، المعتقل منذ 2027، رغم عدم وجود حكم بحقه، وإطلاق سراح الذين تم احتجازهم دون محاكمة، لا يشير إلى تخفيف القمع، بل هو لتخفيف الضغط الدولي، بينما بقي موقفها تجاه معتقلي الرأي على حاله.
3- الشاب عبد الله الزاهر
أطلقت السلطات السعودية سراح الشاب عبد الله الزاهر، بعد انتهاء مدة حكمه البالغة 10 سنوات، وكان الزاهر قد اعتقل سنة 2012، على خلفية مشاركته مظاهرات، وكان يبلغ من العمر أقل من 18 عاما، حكم عليه بالإعدام، لكن محكمة الاسئناف بـ 2020، خففت الحكم واكتفت بسحنه 10 سنوات.
4- المستشار الشرعي عمر عبدالله السعدون
أطلقت السلطات السعودية الدكتور عمر عبد اله السعدون، المستشار الشرعي ورئيس كتابة عدل عرقة، وذلك بعد قضائه 4 أشهر خلف قضبان السجن، وكان السعدون انتقد قرارا يتعلق بمكبرات الصوت التابعة للمساجد.
5- الدكتور عبد العزيز التويجري
أطلقت السلطات السعودية سراح الدكتور عبد العزيز التويجري، بعد اعتقال تعسفي لأكثر من 8 أشهر، وكان الاعتقال بسبب تغريدة سابقة في حسابه على منصة تويتر، المتوقف عن النشر فيه.
6- الشيخ حسين محمد آل شامر
أطلقت السلطات السعودية سراح الشيخ “حسين محمد آل شامر” إمام مسجد الإمام مسلم بمحافظة خميس مشيط، والذي تم اعتقاله في مايو الماضي دون أي أسباب قانونية، وعلى خلفية آراءه المعارضة لسياسات الحكم في المملكة، وكان آل شامر قد ظهر مستقلا سيارة أحد أفراد عائلته، عقب خروجه من مقر احتجازه.
7- الشيخ محمد صالح المنجد
قامت السلطات السعودية بنقل الشيخ محمد صالح المنجد إلى دار الاستراحة، وذلك للتمهيد لإطلاق سراحه قريبا، بعد اعتقال دام أكثر من 4 سنوات.
أحداث وانتهاكات
لم تختصر أحداث شهر نوفمبر على الاعتقالات المتجددة وإطلاق سراح بعض معتقلي الرأي، بل شهد عددا من الانتهاكات بحق معتقلي الرأي في سجون البلاد، فقد أكدت مصادر مطلعة قيام إدارة السجن بتعذيب الدكتور سعود مختار الهاشمي، بالضرب والمعاملة السيئة، مع منع الأدوية اللازمة عنه، وتخشى مصادر حقوقية أن يلاقي الهاشمي مصير موسى القرني الذي توفي مؤخرا بالسجن، وحملت المصادر الحقوقية مسؤولية الحفاظ على حياته.
وكانت منظمات حقوقية أكدت أن السلطات السعودية قامت باغتيال شيخ الحقوقيين الدكتور موسى القرني داخل السجن، حسب ما ورد في بيان منظمة ” القسط ” لحقوق الإنسان والديمقراطية للعالم العربي، ومنّا لحقوق الإنسان.
وطالب 16 نائبا بريطانيا حكومة بلادهم بمنع السلطات السعودية من تنفيذ الإعدام على الأكاديمي السعودي حسن المالكي، وفق ما نقلته، وفق ما نقلته صحيفة “الإندبندنت”،
وحث النواب وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، على تقديم “احتجاجات عاجلة” إلى السعودية لمنع تنفيذ حكم الإعدام على المالكي بسبب تهم منها طبيعة “محتويات مكتبته “.
وقال النواب في رسالة للوزيرة: “نشعر بقلق بالغ من احتمال أن يواجه مثقف سعودي الإعدام لجرائم فكرية ، إعدام حسن يمكن أن يمثل في حال تنفيذه خطوة كبيرة إلى الوراء في المسار الإيجابي للإصلاح في المملكة العربية السعودية “.
وطلبوا من الوزيرة التواصل فورا مع نظيرها في السعودية “لضمان إسقاط التهم الموجهة إلى حسن، وعدم إعدام عالم ومؤرخ سعودي بسبب محتويات مكتبته”.
وكانت السلطات السعودية قد اعتقلت المالكي عام 2017، ووجهت له مجموعة من التهم، مثل ” إجراء مقابلات مع وسائل إعلام إخبارية غربية”، وامتلاك كتب غير مصرح بها.
وفيما تستمر المنظمات الإنسانية والحقوقية بتجديد دعوتها لإطلاق سراح معتقلي الرأي، وعدم الاعتداء عليهم بالتعذيب والاساء والإهمال الطبي المتعمد، وتؤكد مؤسسة ذوينا على وقوفها بجانب معتقلي الرأي من المصلحين والأكاديميين، وتعلن تضامنها المستمر مع أهالي المعتقلين وذويهم.