يمضي مئات المعتقلين السعوديين أربعة أعوام في غياهب السجون تعرضوا خلالها لألون من العذاب النفسي والجسدي وحرمانهم من أبسط الحقوق في إطلاق سراحهم أو تقديمهم لمحاكمات عادلة وتوكيل محامين للدفاع عنهم والاعتداء على حقوقهم التي كفلها القانون والدستور، بل وتعدى الأمر إلى حرمان أسرهم من زيارة ذويهم وحظر سفر عائلاتهم التعسفي الأمر الذي يرقى للعقاب الجماعي.
قضايا المعتقلين لم تأت على خلفيات قانونية اعتبارية وإنما جاءت على خلفية التعبير عن الرأي، حيث بدأت في سبتمبر 2017 الاعتقالات التي استهدفت النخبة في المجتمع من الكفاءات والدعاة والأكاديميين والسياسيين والإعلاميين والنشطاء، وتوجيه تهم لا تستند إلى أدلة قانونية، كما تم تجديد أحكام عدد من المعتقلين، في استمرار واضح لتغييب حكم القانون.
نستعرض في هذا التقرير أبرز الأحداث الحقوقية للمعتقلين بالمملكة والتي جرت خلال شهر سبتمبر المنصرم.
أحكام قضائية ومحاكمات :
لا يزال انتهاك حرية معتقلي الرأي في السجون يتواصل، فبعيداً عن ظروف الاحتجاز السيئة ووضع كثير من المعتقلين في زنازين انفرادية، وإهمال طبي متعمد وغير ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان.
صدرت أحكام جديدة خلال شهر سبتمبر طالت عدداً من المعتقلين دون توجيه أي تهم تستند إلى قرائن حقيقية وهم:
1- الدكتور ناصر العمر :
المحكمة الجزائية المتخصصة أصدرت حُكما بالسجن مدة 10 سنوات، ضد الدكتور ناصر العمر، مع وقف التنفيذ لأربع سنوات على عدة تهم من بينها تغريدات قديمة، واعتقل الدكتور ناصر العمر في سبتمبر 2018 بسبب تغريدة على حسابه في تويتر على الرغم من وجود عفو ملكي سابق إلا أن القاضي تحجج بأن العفو قديم.
2- الناشطة دلال الخليل :
أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة حكما بالسجن 18 سنة على الناشطة الإغاثية دلال الخليل، واعتقلت الناشطة الإغاثية دلال مع زوجها في 28 سبتمبر 2017، بمنطقة القصيم، ونشطت دلال الخليل بجمع المعونات للفقراء، وتوزيع السلال الرمضانية للمعوزين، وتتعرض دلال في سجن الطرفية بالقصيم لشتى ضروب المعاملة القاسية والإهمال الطبي، الأمر الذي فاقم من وضعها الصحي والنفسي.
3- الدكتور عامر الألمعي:
صدور حكم ضد استشاري الباطنية الدكتور عامر الألمعي بالسجن 9 سنوات وغرامة مالية قدرها 500 ألف ريال، وتم اعتقال الدكتور عامر الألمعي في مارس 2019، ويعد الألمعي، ناشط إغاثي وداعية بالإضافة لتخصصه في الطبي.
4- أسامة الحسني :
قضت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض حكما بالسجن 4 سنوات ضد الداعية أسامة الحسني 4 سنوات، واعتقل الحسني في فبراير 2020 من قبل السلطات المغربية وتم تسليمه للسلطات السعودية، ولم تعرف التهم الموجهة إليه حتى الآن.
تجديد أحكام عدد من المعتقلين
بدأت في سبتمبر 2017 الاعتقالات التي استهدفت النخبة في المجتمع من الكفاءات والدعاة والأكاديميين والسياسيين والإعلاميين والنشطاء، كما تم تجديد أحكام لعدد من المعتقلين في الاستمرار بالسير بذات النهج في تغييب واضح لحكم القانون، أصدرت المحاكم المختصة خلال شهر سبتمبر أحكاماً ضد عدد من المعتقلين تقضي بتشديد محكومياتهم بعد أن أنهوا الأحكام السابقة ولم يفرج عنهم في ظل تكتيم إعلامي وغياب لمحامي الدفاع عن المعتقلين وقضايا المعتقلين، لم تأت على خلفيات قانونية اعتبارية، وجددت في شهر سبتمبر أحكام قضائية لعدد من المعتقلين وهم :
- الدكتور إبراهيم الناصر:
أصدرت المحكمة العليا قراراً بنقض الحكم الذي أصدرته المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض ضد الدكتور إبراهيم الناصر، لتزيد مدة الحكم من 3 أشهر إلى 3 سنوات، اعتقال الناصر جاء ضمن حملة سبتمبر 2017 وتعرض لعدة انتهاكات داخل السجن.
- الدكتور عمر المقبل :
قضت المحكمة العليا في الرياض بتشديد مدة محكومية الدكتور عمر المقبل، إلى 4 سنوات، بعد أن كانت المحكمة الجزائية المتخصصة قد أصدرت حكما ضده بالسجن مدة 6 أشهر فقط، الدكتور عمر المقبل اعتقل في سبتمبر 2019 ، على خلفية انتشار مقطع فيديو انتقد فيه ممارسات هيئة الترفيه.
- الدكتور محمد الحضيف :
المحكمة الجزائية المتخصصة أصدرت قرارا بتشديد اعتقال الإعلامي والأكاديمي الدكتور محمد الحضيف، من 9 سنوات إلى 13 سنة لتكون هذه الزيادة الثانية له على التوالي، وتم اعتقال الحضيف في شهر مارس 2016 ومنع من السفر بالاضافة إلى إغلاق حسابه على تويتر.
- توجيه تهم لعشرة مصريين نوبيين:
وجهت السلطات في السعودية عددًا من الدعاوى لعشرة مواطنين مصريين ينتمون إلى جمعيات مدنية نوبية بعد أكثر من سنة من الاعتقال والاحتجاز التعسفي والحرمان من الزيارة الأسرية والتمثيل القانوني، حيث من المقرر إحالتهم إلى المحكمة في نوفمبر المقبل، ومن أبرز المعتقلين رئيس الجالية النوبية في الرياض عادل سيد إبراهيم والرئيس السابق للجالية فرج الله أحمد .
اعتقالات جديدة:
يحمي القانون الدولي لحقوق الإنسان الحقوق الأساسية، عدم الاحتجاز التعسفي ويجب أن تكون أي اتهامات توجهها السلطات متعلقة بجرائم مُعترف بها كما يجب على الأقل إبلاغ المحتجزين بالأسباب المحددة لاعتقالهم، وأن يكونوا قادرين على الاعتراض على اعتقالهم بشكل عادل أمام قاض مستقل ومحايد، والوصول إلى محام وأفراد العائلة، ومراجعة قضاياهم بشكل دوري، وهذا لا ينطبق على الإجراءات المتبعة في السعودية حيث شهد شهر سبتمبر على تشديد الأحكام ضد المعتقلين وتم فيه اعتقال جديد حيث اعتقل الدكتور عبد الرحمن المحمود في يوم الثلاثاء الموافق 9/16 للاعتقال دون أن تذكر القوة التي نفذت الاعتقال أي سبب للاعتقال، ويعتبر هذا الاعتقال هو الثاني للمحمود بعد أن تم اعتقاله في أكتوبر 2019 حيث قضى في المعتقل شهرين لتفرج عنه السلطات بعدها.
تأجيلات متكررة:
يعتبر تأجيل المحاكمة إحدى الأدوات التي تنتهج ضد المعتقل وذويه، ودرجت السلطات خلال شهر سبتمبر على تأجيل المحاكمات دون أسباب واضحة أو مفهومة، حيث تم تأجيل قضية كل من :
- الدكتور حسن فرحان المالكي :
أجلت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض جلسة محاكمة الدكتور حسن فرحان المالكي إلى 11 أكتوبر 2021 والذي يعتبر التأجيل الرابع خلال هذا العام، والمالكي معتقل ضمن حملة معتقلي الرأي في سبتمبر 2017، واستلم في حينها لائحة التهم في حين منع من حضور الجلسات خلال سبتمبر 2018 وحتى مارس 2020. .
وتعيش أسرة المالكي في قلق مستمر على مصير والدهم حيث أكد نجل المالكي أبو بكر أن مطالب النيابة العامة السعودية ضد والده لازالت هي نفسها، وفي مقدمتها الإعدام.
- الناشط عبدالرحمن السدحان :
قدم الناشط عبدالرحمن السدحان في جلسة الاستئناف التي عقدت بمحكمة الرياض مذكرة دفاع إضافية وتم دمجها مع مذكرات الدفاع السابقة على أن يتم استكمال الجلسة في جلسة أخرى، واعتقل عبدالرحمن في مارس 2018 وحكمت المحكمة الجزائية عليه بالسجن لمدة 20 عاما والحظر من السفر.
نسائم الحرية:
الحياة في السجن مليئة بالتحديات والقسوة والتأثير على حياة المعتقل وذويه فالمعتقل في السجن خصوصا وهو يشعر بالظلم والقهر الواقع عليه وكذلك التفكير بأهله وأطفاله وذويه ومن يعولهم بالطبع يجعل الإنسان السوي لم يعد كما كان قبل الاعتقال، وإن كان الجميع يتمنى الحرية لكن من يعوضهم سنوات السجن التعسفي دون محاكمات عادلة ومن يعوض ذويهم، شهد شهر سبتمبر إطلاق سراح عدد من المعتقلين بعد أن قضوا سنوات داخل السجن بعيدين عن أسرهم وأطفالهم، وهم:
- الدكتور خالد العجيمي
أطلقت السلطات السعودية في 16 أغسطس الماضي سراح الدكتور خالد العجيمي بعد تدهور حالته الصحية، وتعرضه داخل السجن لانتكاسة صحية بسبب الإهمال الطبي المتعمد ، مما دفع السلطات للإفراج عنه، واعتقل العجيمي ضمن حملة سبتمبر 2017 وأصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض أحكاماً تعسفية ابتدائية، حيث قضى منها 3 أعوام و 8 أشهر.
- الدكتور عبدالرحمن الشميري :
تم الإفراج عن الأكاديمي عبدالرحمن الشميري بعد اعتقال دام لمدة 15 عاما بعيداً عن أسرته وأولاده.
واعتقل الشميري مع عدد من النشطاء في مدينة جدة عام 2007 وأودع سجن ذهبان وبقي بلا محاكمة إلى أن بدأت محاكمته في فبراير عام 2010 ، وتم في عام 2017 تجديد الحكم عليه 5 سنوات أخرى.
- الناشط ياسر العياف:
أفرجت السلطات المختصة عن الناشط الحقوقي ياسر العياف بعد اعتقاله لمدة 3 سنوات حيث تم اعتقاله في أغسطس 2018.
واعتقل العياف أكثر من مرة على خليفة عمله الحقوقي ودفاعه عن معتقلين نشطاء وأصحاب الرأي، وأبرز العياف قضيّة والده عبد الله العياف، الذي أمضى في السجون ما يزيد عن 10 أعوام، وتجاوز مدة حبسه، قبل أن يُفرج عنه لاحقاً، كما تم توقيف والدته مها الضحيان من أجل مطالبتها بالإفراج عن زوجها.
مطالبات حقوقية :
أصدرت الأمم المتحدة تقريرها السنوي لمجلس حقوق الإنسان التابع لها خلال الدورة الـ48، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على هامش الدورة 48، إن السعودية لا زالت تمارس أعمال تخويف وانتقام ضد الأفراد الذين يسعون إلى التعاون مع الأمم المتحدة وممثليها وآلياتها في مجال حقوق الإنسان.
وأدان التقرير جميع أعمال التخويف والانتقام التي ترتكبها الحكومات والجهات الفاعلة من غير الدول.
كما اتهم غوتيريش، السعودية بممارسة الاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة، والأحكام القاسية للانتقام من الأفراد أو أقاربهم الذين يتعاونون أو يحاولون التعاون مع الأمم المتحدة، حيث سلط التقرير الضوء على قضايا كل من لجين الهذلول، وسمر بدوي، ومحمد فهد القحطاني ، وعيسى النخيفي، وعيسى حامد الحامد وأمل الحربي وعبدالله الحامد.
يأتي هذا التقرير في ظل استمرار اعتقال المئات من الناشطين ومعتقلي الرأي، واستمرار المحاكم بإصدار أحكامها مع غياب حق التقاضي للمعتقلين، ومنع ذويهم من لقائهم ومعرفة أخبارهم.
كما دعت منظمة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان المجتمع الدولي لضرورة التحرك الجدّي والضغط على السلطات السعودية للتراجع عن الزيادة المجحفة في سنوات الاعتقال المقررة من قبل الجهات القضائية السعودية بحق النشطاء والأكاديميين والدعاة.
وأفادت المنظمة بتوثيقها لحملات عدة قامت بها السلطات استهدفت دعاة ونشطاء وصحفيين بسبب كتابتهم لمنشورات، حاولوا من خلالها انتقاد الأوضاع المعيشية والسياسية في البلاد.
من جهتها طالبت منظمة العفو الدولية السلطات السعودية لإطلاق سراح الداعية الإسلامي السعودي سلمان العودة المعتقل منذ عام 2017 وحذرت المنظمة في تغريدة عبر “تويتر” من مواجهة الشيخ سلمان لخطر الإعدام، بينما تستمر المحكمة في تأجيل جلسة الحكم، مطالبة الملك سلمان بإطلاق سراحه الفوري .
ودعت المنظمة الاتحاد الأوروبي، إلى الاعتراف بالدور الجوهري للمجتمع المدني السعودي الذي يواجه حملة محاكمات واعتقالات تعسفية وأشكال اضطهاد أخرى تستهدف حقوق الإنسان ، كما حثت منظمة العفو الدولي الاتحاد الأوروبي أن يكون حازماً في دفاعه عن هؤلاء الأفراد الشجعان، الذين يدافعون عن حقوق الجميع في السعودية.