شهدت السعودية خلال شهر ديسمبر عددا من الأحداث المهمة التي تتعلق بمعتقلي الرأي في سجون النظام السعودي، ما بين اعتقالات، وعرض للمحاكمة، وتمديد للحكم، وتخفيف حكم بعض المعتقلين.
بينما يمضي المئات من معتقلي الرأي السنوات المتعاقبة في سجون النظام، حيث يتعرضون فيها من قبل إدارات السجن للعذاب والتنكيل النفسي والجسدي، وحرمانهم من الحقوق، كالتواصل مع عوائلهم، أو تقديمهم لمحاكمات عادلة.
يضاف إلى ذلك عدم السماح بتوكيل محامين للدفاع عنهم والاعتداء على حقوقهم التي كفلها الدستور والقانون وكفلته مضامين حقوق الإنسان الدولية، إدارات السجون لم تقتصر بطغيانها على التعذيب النفسي والجسدي، بل أضافت لذلك منع الأسر من زيارة أبنائهم، وحظر سفر عائلاتهم، ليتحول الأمر لعقوبة جماعية تطال شريحة كبيرة من الشعب.
وفي هذا التقرير نستعرض أهم الأحداث الحقوقية لمعتقلي الرأي في البلاد، والتي جرت في شهر ديسمبر المنصرم.
تجدد المحاكمات
وشهد شهر ديسمبر عددا من المحاكمات الجديدة، بحق عدد من المعتقلين، ما بين تغليظ العقوبة عن بعضهم، وتخفيفها عن آخرين، وتأجيل محاكمات معتقلين آخرين دون توجيه تهم لهم.
1- حسن فرحان المالكي
شهد الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر بـ 28 ديسمبر انعقاد جلسة محاكمة الدكتور حسن فرحان المالكي، القابع في السجون منذ سبتمبر 2017، لأسباب عديدة أبرزها التعبير عن آرائه، وقد أجلت المحكمة الجزائية المتخصصة بتأجيل محاكمة المالكي لـ 31 يناير 2022، من دون إصدار أي أحكام ضد المالكي.
2- الدكتور هاني الخضري
قررت محكمة الاستئناف السعودية، تثبيت الحكم الصادر بحق الدكتور هاني الخضري نجل الممثل السابق لحركة حماس محمد الخضري، وقضت محكمة الاستئناف بسجن المعتقل هاني الخضري ثلاث سنوات، مع الأبعاد عن المملكة بعد إتمامه المدة وإطلاق سراحه.
3-الدكتور محمد الخضري
خففت محكمة الاستئناف التابعة للنظام السعودي من 15 سنة إلى 6 سنوات، مع وقف تنفيذ 3 سنوات منها، وتخفيف الحكم يشمل عدم الإبعاد، والسماح له بالمكوث بعد إطلاق سراحه، ويرجح حقوقيون بأنه وفق التخفيف في قضية الخضري، أن يطلق سراحه في شهر يناير 2022، ويعاني الخضري من أمراض مزمنة، بالإضافة لإصابته بمرض السرطان، ويستعين الخضري بشكل تام في السجن على نجله هاني، المعتقل معه في سجون النظام.
4- الدكتور علي بادحدح
قضت محكمة الاستئناف التابعة للنظام السعودي بتغليظ عقوبة السجن بحق الدكتور علي بادحدح من ست سنوات الى تسع سنوات، وبادحدح يقضي منذ أكثر من أربعة أعوام داخل المعتقلات بسبب تعبيره عن رأيه ودعوته للإصلاح وإنهاء المظالم، واعتقل بادحدح ضمن حملة شنها النظام السعودي ضد عدد من المصلحين والأكاديميين في البلاد بسبتمبر 2017م، ويواجه بادحدح حكما تعسفيا بتغليظ العقوبة لست سنوات دون مسوغ قانوني.
5- الدكتور عادل باناعمة
محاكمة الاستئناف قررت تغليظ عقوبة السجن بحق الدكتور عادل باناعمة من 3.5 سنوات إلى 8 سنوات، اعتقل باناعمة في سبتمبر 2017 على خلفية التعبير عن الرأي والفكر الحر، وفي يوليو 2018 ظهر باناعمة داخل السجن وقد بدت على وجهه ملامح الضعف والتعب نتيجة سنوات السجن المتواصلة، وفي سبتمبر 2018 عرض على المحكمة ثم توقفت بلا سبب، وفي أبريل 2019 تم الكشف عن إصابته بمشاكل صحية في الأمعاء.
6- الدكتور محمد موسى الشريف
غلظت محكمة الاستئناف عقوبة السجن بحق الدكتور محمد موسى الشريف من خمس سنوات إلى ثلاثة عشر عاما، وكانت المحكمة الجزائية السعودية قد وجهت للشريف أكثر من 20 تهمة، كزعزعة أمن المملكة والمشاركة في أعمال الإغاثة داخل وخارج البلاد، ويعاني الشريف من الاعتقال التعسفي والإهمال الصحي المتعمد.
اعتقالات مستمرة
تحرص القوانين والأعراف الدولية على حماية حقوق الإنسان الأساسية، كعدم الاعتقال بلا سبب، والاحتجاز التعسفي، مع عدم القدرة على الاعتراض، ومعرفة سبب الاعتقال بشكل عادل أمام قاضِ مستقل ومحايد، وتوكيل محامين للمعتقلين من قبل عوائلهم، والعمل على مراجعة القضايا بشكل دوري، هذه الأعراف والقوانين الدولية لا تنطبق على الإجراءات المتعبة في المملكة، فلم تكتفِ أجهزة النظام السعودي بالمعتقلين القابعين خلف القابضين، بل أضافت لهم عدداً جديداً، فقد شهر ديسمبر حملة من الاعتقالات بحق عدد من الأكاديميين والمصلحين، أبرزهم:
1- الدكتور علي التواتي القرشي
أقدمت أجهزة النظام السعودي على اعتقال الدكتور علي التواتي القرشي، على خلفية اتهامه بمهاجمة سياسة دولة الإمارات، عبر تغريدات نشرها على حسابه في موقع تويتر، وكان قد استدعي من قبل النظام في سبتمبر الماضي، للتحقيق معه بخصوص بعض التغريدات والآراء.
2- الدكتور سعود السرحان
شهد شهر ديسمبر تأكيد اعتقال الدكتور سعود السرحان، دون كشف النظام عن أسباب أو مكان الاعتقال لغاية الآن، والسرحان شغل منصب مدير إدارة البحوث، والباحث الرئيس في وحدة الفكر السياسي المعاصر، قبل تعيينه أميناً عاماً لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
3- الشاب فيصل الشمراني
أكدت المصادر الحقوقية المهتمة بشؤون معتقلي الرأي في السعودية في شهر ديسمبر، اعتقال الشاب فيصل الشمراني، الذي اعتقله النظام السعودي منذ شهر نوفمبر 2019، وأن الاعتقال جرى على خلفية مطالبته بالحصول على وظيفة عبر حسابه في توتير، وانتقاده البطالة المتفشية بين الشباب في البلاد.
4- الشاب بندر الجحدلي
اعتقلت أجهزة النظام السعودي الشاب بندر الجحدلي، وقد أكدت المصادر الحقوقية بأنه تم اعتقاله منذ أكثر من عامين، على خلفية مطالبته بالحصول على وظيفة عبر حسابه في توتير، ووجه انتقاد التفشي البطالة بين الشباب في المملكة، ومطالبته بوظيفة حكومية.
5- التربوي لافي المطيري
أقدمت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السعودي على اعتقال التربوي أحمد لافي المطيري أبو عبد العزيز، وقد أكدت المصادر المطلعة على اعتقال المطيري، منذ شهر مايو 2020، وأن الاعتقال جاء على خلفية تعبيره عن الرأي عبر حسابه بتويتر، وكان المطيري قد اختفى قسريا منذ ذلك الوقت، لكن بحسب المصادر فإن النظام قام باعتقاله وإيداعه في سجن القصيم، مع انقطاع أخباره منذ الاعتقال، وعدم معرفة أهله بمصيره.
نسائم الحرية
لم تكن رحلة السجن إلا رحلة محفوفة بالمتاعب والمخاطر، فهي حياة تضج بالتحديات والقسوة والتأثير النفسي والجسدي على حياة المعتقل، وهو يمضي أيامه خلف الزنازين بعيداً عن أهله وذويه، مع استمرار الظلم والقهر الواقع على المعتقل، فيما يمضي المعتقلين الليالي المظلمة وهم يفكرون بأبنائهم وذويهم، ومن يعولهم ويقوم بالإنفاق عليهم حال غيابهم والبعد عنهم، فمن يعوض المعتقلين سنوات السجن التعسفي دون محاكمات عادلة، فمن يعوض الأبناء حرمانهم من حنان الأبوة، وتستمر إدارات السجون بالتعذيب الممنهج للمعتقلين، والإهمال الصحي المتعمد، أبرزهم:
1- عامر متروك الفالح
أطلق النظام السعودي سراح المستشار السابق بوزارة التخطيط والاقتصاد الدكتور عامر متروك الفالح، وكان الفالح قد اختفى قسريا على يد أجهزة النظام في المملكة العربية منذ 20 نوفمبر الماضي، من دون بيان أسباب الاعتقال أو إجراء محاكمة علنية له.
2- الدكتور أحمد باطهف
أطلقت النظام السعودي الدكتور احمد باطهف، المعتقل منذ مايو 2018، بعد معاناة الاعتقال دامت لثلاثة اعوام قضاها داخل السجن.
أحداث وانتهاكات
تنتهك إدارات السجون باستمرار إهمال حقوق المعتقلين، وخصوصا ما يتعلق بملف معتقلي الرأي، فالمعتقلون يتعرضون للمعاملة السيئة وظروف الاعتقال غير الإنسانية، بالإضافة لوضع عدد كبير من المعتقلين بزنازين انفرادية، وتتعمد إدارات السجون إهمال المعتقلين صحياً، وحرمانهم من التواصل مع عوائلهم.
ولم تقتصر أحداث شهر ديسمبر على الاعتقالات المتجددة وإطلاق سراح بعض معتقلي الرأي، فقد شهد الشهر عددا من الأحداث والانتهاكات بحق معتقلي الرأي داخل السجون، فقد أكدت مصادر نقل عبد الرحمن الدويش إلى سجن الملز بعد تدهور وضعه الصحي، بسبب الإهمال الصحي المتعمد.
كما تم نقل الشيخ خالد الراشد من سجن الحاير إلى المباحث العامة بتاريخ 26 نوفمبر 2021، ونقل الدكتور إبراهيم هائل اليماني إلى زنزانة فيها 4 متطرفين قاموا بتهديده عدة مرات بالقتل، وقد كان اليماني قد تعرض إلى التعذيب والإهمال الصحي المتعمد والاعتقال التعسفي.
وخلال الشهر توفي الدكتور موسى القرني عن عمر يناهز 68 عاما، في محبسه، حيث يقضي عقوبة قدرها 20 عاما، لمجرد مطالبته بإنشاء جمعية لحقوق الإنسان في السعودية، وقد تعرض القرني لصنوف الأذى والتعذيب والتضييق أثناء اعتقاله وحبس في العزل الانفرادي لفترات طويلة وتدهورت حالته الصحية في السنوات الأخيرة دون مبالاة من إدارات السجون.
وقد جاءت وفاة القرني بعد ضربه الشديد وتهشم جمجمته، وتركه أكثر من 9 ساعات داخل الزنزانة دون إسعافه من قبل إدارة السجن، وقد كشفت مصادر حقوقية عن تقاعس السلطات بالتحقيق بشأن مقتل الدكتور موسى القرني رغم مرور شهرين على مقتله، وقد أكدت مصادر مطلعة قيام النظام السعودي بتغيير إدارة سجن ذهبان بتغيير طاقم السجانين بعد وفاة القرني.
وبسبب استمرار الانتهاكات والاعتقالات المتكررة في المملكة بحق الناشطين والأكاديميين المصلحين، بالمقابل تستمر المنظمات الإنسانية والحقوقية بتجديد دعوتها لإطلاق سراح معتقلي الرأي، وعدم الاعتداء على المعتقلين بالتعذيب والإساءة والإهمال الطبي المتعمد، من جانبها تؤكد مؤسسة ذوينا على وقوفها بجانب معتقلي الرأي من المصلحين والأكاديميين، وتعلن وقوفها المستمر والتضامن الكامل مع أهالي المعتقلين وذويهم.