قضية معتقلي الرأي والنشطاء السياسيين في المملكة، قضية مؤلمة، وسلسلة من المعاناة المتفاقمة فالمعتقلون تتضاعف عليهم الأحكام القضائية وتغلظ الأحكام على بعضهم ، والبعض منهم لا يتم الإفراج عليه بعد انتهاء محكوميته.
هذه المأساة التي لا تقتصر على ذوات المعتقلين أنفسهم، بل تتعداها إلى ذويهم من الزوجات والأبناء وقبلهم الآباء والأمهات.
يشعر بعض الآباء بحسرة ومرارة على أبناءهم المعتقلين كونهم اعتقلوا من غير ذنب ولا جريرة، وتكابد الأمهات مرارة حرمانهن من رؤية فلذات أكبادهن لسنوات عديدة وليس لأشهر.
المعاناة المتفاقمة
العديد من هؤلاء المعتقلين منهم من فقد ابنه ولم يواري جثمانه الثرى كما حصل للمعتقل مروان المريسي الصحفي اليمني الذي فقد ابنه ( سند) ذو السبع سنوات وهو في المعتقل فلا صلَّى عليه ولا حضر جنازته أو حتى استقبل العزاء من المعزين.
لم يكن المريسي هو الوحيد الذي فقد عزيزاً عليه ولم يستطع توديعه بنظرة أخيرة. بل هناك الكثير من الأسماء التي صار معهم ذلك من معتقلي الرأي والمغردين.
فاطمة عسيري معتقلة أخرى تعرض أقاربها للتعذيب الجسدي والنفسي لزيادة الضغط عليها وعلى زوجها المعتقل (محمد كدوان) المحكوم عليه بالسجن 20 سنة.
لم يعد الأمر متعلقاً بمعتقلي الرأي فقط، كذلك هو الحال في حق المعارضين الذين حصلوا على حق اللجوء في دولة أوروبية؛ المعارض عبدالله الغامدي أستطاع الخروج من المملكة والحصول على اللجوء في بريطانيا، لكن السلطات الأمنية في المملكة اعتقلت أمه عايدة الغامدي وشقيقه عادل؛ لم تكن تهمتهما إلا أن عبدالله قريب لهما( ابن وشقيق).
لم تراع السطات كبر سن عايدة الغامدي وأمراضها المزمنة، فقد نقلتها من سجن ذهبان بجدة إلى سجن الدمام السياسي دون إبلاغ أهلها أو إشعارهم بذلك.
معتقلة أخرى تضع طفلها في سجنها الانفرادي، حاولت الفرار إلى بلدٍ مجاور، ولكن تم القبض عليها وأودعتها الأجهزة الأمنية في أحد سجونها وحكم عليها بالسجن 13 سنة.
عقد من الزمن ونيف من السنوات ستقضيها المعتقلة مي عبدالرحمن الطلق مع طفلها بين جدران السجن، فما ذنب طفلها يولد ويكبر في غياهب السجون.
منصور النفيعي كانت له مواقف وأراء مخالفة للتوجه العام للمملكة، وبسبب هذه الأراء كان الاعتقال من نصيبه ونصيب ابنته المعتقلة سماح النفيعي، وهي أم لطفلين أنس(3 سنوات) وألماس( سنة ونصف )، اعتقلتها السلطات بعد مشادات كلاميه أثناء اعتقال والدها في سبتمبر 2015 أودعتها السلطات في سجن ذهبان بجدة، رغم أن اعتقالها كان في مدينة الطائف.
حليمة الحويطي معتقلة هي وزوجها وابنها، ذنب حليمة وذويها -الوحيد- هو رفضهم للتهجير القسري من ديارهم ومساكنهم في منطقة الحويطيات شمال المملكة.
ولم يكن حال أولاد المعتقل سليمان الدويش أفضل من سابقيهم، فمالك وعبدالرحمن وعبدالوهاب وبقية أفراد أسرتهم يعيشون كابوس فقد والدهم المخفي قسرياً من إبريل 2016.
حاول أولاد الدويش الوصول إلى والدهم بأكثر من طريقة وحيلة لكن جميع المحاولات لم تف بالغرض ولم يصل أحدٌ منهم للحقيقة الغائبة.. مكان والدهم.
نشر مالك فيديو يتسأل عن مصير والده ومكان اعتقاله وتهمته التي استوجب من خلالها أن يكون في مكانٍ مخفي.. اعتقل على إثرها مالك مع أخويه وسرعان ماخرج مالك وعبدالرحمن، وبعد فترة وجيزة تعاود السلطات اعتقال مالك الذي أخفي قسرياً بسبب مطالبته وإلحاحه بالإفراج عن والده.. وهل مازال على قيد الحياة أم لا؟
وقضية أخرى تؤرق المعتقلين وذويهم وتضاعف المعاناة المتفاقمة، وهي المنع من السفر.. السوط الآخر الذي تعاقب به السلطات معتقلي الرأي وذويهم على حدٍ سواء.
فلم يعد العقاب مقتصرا على المعتقلين في سجون أمن الدولة، تعداه إلى كافة أفراد أسرة المعتقل وأقاربه، وذلك بحرمانهم من السفر والخروج من المملكة إلا بإذن مسبق من السلطات ولا تعطي السلطات الإذن لم يطلب ذلك بحجةٍ أو بأخرى.
استطاع البعض الخروج (الهروب) والوصول لأماكن آمنة، لأجل نصرة قريبه المعتقل، وهذا ماحدث بالضبط لناصر القرني، الذي استطاع الوصول لبريطانيا لطلب اللجوء، ونصرة والده المعتقل منذ سبتمبر 2017 عوض القرني.
جميع معتقلي الرأي وأفراد أسرهم وأقاربهم، يشملهم قرار المنع من السفر، حتى لمن لم يصدر ضده حكم قضائي؛ أي أن المحكمة لم تبت في الحكم عليه بالإدانة أو البراءة.