أصدرت وحدة الرصد في مؤسسة ذوينا تقريرها الشهري حول حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، حيث قامت برصد وتوثيق الأحداث التي جرت خلال شهر أغسطس 2023.
انتهى شهر أغسطس مع وقوع العديد من الأحداث المتعلقة بحقوق الإنسان ومعتقلي الرأي في السعودية، حيث شهدت هذه الفترة صدور المزيد من الأحكام القضائية ضد المعتقلين، بالإضافة إلى حالات الاختفاء القسري وعدم الإفراج عن المعتقلين الذين انتهت محكوميتهم، وسيأتي التقرير الحقوقي ليسلط الضوء على هذه المستجدات والأحداث الرئيسية.
الإفراجات:
من ناحية الإفراجات عن المعتقلين فقد شهد شهر أغسطس إفراجات محدودة جدًا، خاصة بالنسبة لأولئك الذين لم تجري لهم محاكمات أو لم يتلقوا اتهامات من قبل النيابة العامة، فقد أفرجت السلطات السعودية عن اثنين من المعتقلين هما:
١ـ محمد الحاجي الذي أطلقت السلطات السعودية سراحه في الخامس عشر من أغسطس بعد اعتقاله مطلع الشهر نفسه.
٢ـ مهدية المرزوقي تونسية الجنسية حكم عليها بالسجن 15 عام، وتم الإفراج عنها في نهاية شهر أغسطس بعد اعتقال دام ثلاث سنوات منذ 2020، وقالت مصادر حقوقية أن المرزوقي تم ترحيلها إلى تونس بعد الإفراج عنها.
الاعتقالات:
تواصل السلطات السعودية حملات الاعتقال، والتي تستهدف من خلالها عددًا من الأكاديميين والإعلاميين والشخصيات المؤثرة في المجتمع السعودي، ففي بداية أغسطس تم اعتقال الإعلامي الشهير محمد الحاجي دون معرفة أسباب الاعتقال، بالإضافة إلى اعتقال المنشد مصطفى الفرج، واللافت في الأمر أن السلطات السعودية قد زادت من تصعيدها في معاملتها للمعارضين، وتستعد أجهزة الأمن السعودية لحملة اعتقال عدد من الشخصيات المشهورة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويأتي هذا الإجراء بناءً على توجيه مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث يستهدف هذا التصعيد بشكل خاص بعض المؤثرين في تطبيقي سناب شات وتيك توك.
الانتهاكات:
محمد فهد القحطاني:
لا تزال السلطات السعودية تواصل الاخفاء القسري للدكتور محمد القحطاني رغم انتهاء محكوميته، و في تطور جديد أكدت مها القحطاني، زوجة الدكتور القحطاني، أنها تواصلت في نهاية يوليو الماضي مع إدارة السجن الذي يقبع فيه زوجها، حيث جرى تحويلها إلى قسم الاستفسارات، وعندما أعطتهم اسم القحطاني ورقم هويته، أُخبرت بأن اسمه غير موجود في النظام.
عبد الرحمن فرحانة:
رفضت السلطات السعودية الإفراج عن الصحفي الأردني عبد الرحمن فرحانة لحضور جنازة وعزاء والدته التي توفيت مطلع أغسطس الماضي، رغم نص القانون السعودي الذي يسمح بحضور أقرباء الفقيد من الدرجة الأولى، و يُذكر أن فرحانة محتجز في السجون السعودية منذ أكثر من 4 سنوات، حيث تم اعتقاله تعسفياً في فبراير 2019، وفي 2021، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة حكماً بسجنه لمدة 19 سنة، دون تقديم تهم واضحة أو مبررات قانونية. فرحانة يعاني من أمراض مثل الضغط والسكري وضعف تروية الدماغ، ولم يُسمح له بأخذ أدويته أو حتى وداع أسرته أثناء اعتقاله.
صبري شلبي:
تعرض الطبيب المصري صبري شلبي لإصابة في عدسة عينه نتيجة للحبس الانفرادي في الظلام لمدة 9 أشهر، حيث يتعرض للتعذيب الجسدي والنفسي، والسجن الانفرادي، والإهمال الطبي، و يعاني شلبي من الربو ومرض السكري وألم حاد في الظهر، ورُفض طلبه للعلاج حتى على نفقته الخاصة.
يُذكر أن المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية حكمت على الطبيب المصري شلبي بالسجن 20 سنة، وتم تخفيف الحكم إلى 10 سنوات بعد استئناف القضية، تم اعتقال شلبي في يناير 2020 بتهم كيدية، وذلك انتقامًا من وزارة الصحة السعودية بعد أن رفع دعوى قضائية ضدها للمطالبة بمستحقاته المالية التي احتالوا عليه فيها.
قبيلة الحويطات:
تواصل السلطات السعودية من حملتها التصعيدية ضد أبناء قبيلة الحويطات حيث قامت عناصر من قوات الأمن السعودي بمداهمة واقتحام عددٍ من منازل قبيلة الحويطات ضمن مشروع نيوم، وقامت بترويع ساكنيها وبث القلق والرعب لدى السكان، فيما تعمّدت قطع الماء والكهرباء عنهم، وتأتي هذه المداهمات لتؤكد أن هدفها من ترويع أهالي القبيلة إجبارهم على إخلاء منازلهم بشكل تعسفي بهدف إقامة مشروع نيوم، و بدأت هذة الحملة منذ منتصف يونيو الماضي وحتى كتابة هذا التقرير.
الأحكام التعسفية:
يواصل النظام القضائي السعودي إصدار الأحكام الجائرة طويلة الأمد ضد المعتقلين دون مسوغات قانونية، حيث وصلت بعض تلك الأحكام للإعدام بسبب التعبير عن الرأي في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد حُكم بالإعدام على محمد الغامدي بسبب خمس تغريدات في تويتر.
يذكر أن السلطات اعتقلت الغامدي من أمام منزله في حي النوّارية بمكة أمام أسرته في 11 يونيو 2022، حيث قضى أربعة أشهر في الحبس الانفرادي، وخلال هذه الفترة لم يتمكن من التواصل مع عائلته، أو التواصل مع محام، وتم استجواب الغامدي بشأن تغريداته وآرائه السياسية، بالإضافة إلى آرائه حول الأشخاص الذين تم اعتقالهم بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة حكماً يقضي بالقتل تعزيراً للمعتقل محمد ناصر الغامدي بتهمة فتح حساب وهمي في تويتر ونشر خمس تغريدات ومتابعته من خلاله لقنوات وحسابات صرح الادعاء العام بمعارضتها للنظام، وسط انتقادات دولية وأممية واسعة تطالب السلطات السعودية بإلغاء هذا الحكم والتراجع عنه.
تفاعلات حقوقية:
وسط الانتهاكات المتواصلة في حق المعتقلين لدى السلطات السعودية و في ظل الأحكام الجائرة والمخالفة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، وبعد صدور حكم الإعدام بحق المعتقل محمد الغامدي توالت ردود الأفعال والانتقادات الدولية بسبب الحكم الصادر عليه، ومن تلك التفاعلات الحقوقية ما نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية:
فقد دعت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات السعودية إلى إلغاء حكم الاعدام بحق محمد الغامدي، لأن هذا الحكم يشكل تصعيداً للقمع الحكومي ضد حرية التعبير والمعارضة السياسية السلمية في البلاد، معتبرةً إياه الأحدث والأقسى في سلسلة قضايا استهدفت فيها السلطات السعودية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لتعبيرهم السلمي عبر الإنترنت.
وأكد فيليب لوثر مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية:
أن حكم الإعدام الصادر بحق محمد بن ناصر الغامدي، الذي لديه ما مجموعه 10 متابعين فقط على حسابيه المجهولين على تويتر، وهو متهم بأي شيء سوى التعبير عن آرائه على وسائل التواصل الاجتماعي، هو أمر مثير للسخرية.
ختاماً:
السلطات السعودية لم تتوقف عن اتخاذ إجراءات تعسفية ضد النشطاء والمعتقلين في سجونها، إذ أنها مستمرة في صدور أحكام قاسية و مغلظة، بما في ذلك أحكام بالإعدام، مما يشكل تهديدًا كبيرًا للعديد من المعتقلين وذويهم خارج السجون.
فمن خلال تقريرها، تدعو مؤسسة ذوينا السلطات السعودية لوقف التضييق والاعتقالات، وتطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين في السجون، بما في ذلك السياسيين والحقوقيين والأكاديميين والنشطاء والمفكرين، وتناشد السلطات بأن تضع حداً لمعاناة معتقلي الرأي وأسرهم.