كلما مر الزمن تزداد الانتهاكات في حق معتقلي الرأي في السعودية قساوة وخطورة، فـ الاخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب النفسي والجسدي لم يعُد كافياً لإيذاء النشطاء والحقوقيين، بل وصل الحال إلى أُسرهم وأبناءهم وإرغام أزواجهم على طلب الطلاق وإنفاذه. الأمر الذي يضاعف المعاناة على الأُسر والأفراد، ويصنف هذا بالانتهاك الفضيع والسابقة في حق النشطاء والمعارضين السعوديين ويجب إدانته ومنعه فوراً.ففي الاعلان العالمي والمعاهدات الدولية والقوانين الجنائية لا يحق لأي جهة أو سلطة أن تعاقبَ شخصاً بجرم شخص آخر، فلا يعاقَب على الجريمة إلا فاعلها. وهذا على العكس مما يحدث للنشطاء والحقوقيين في السعودية فالعقاب يطال جميع أفراد الأسرة، والجميع يأخذ نصيبه من العقوبة، فالاكراه على الطلاق عقوبة لكافة الأسرة وليس لمعتقلي الرأي فقط.
حالات مارست السلطات معها الاكراه على الطلاق
وحدة الرصد في مؤسسة ذوينا سجلت بعض هذه الحالات، منهم نشطاء وناشطات في السجون ومنهم نشطاء وحقوقيون لاجئون خارج البلد ومنهم مفرج عنهم وممنوعون من السفر. وتؤكد أن هذه التصرفات انتهاك لحقوق الإنسان تتحمل مسؤوليته السلطات. وأغلب هذه الحالات المسجلة تمت بنفس الطريقة والخطوات حيث يُرغمُ الأزواج المتواجدون تحت سلطة الأجهزة الامنية على طلب الانفصال والتبرُّء من أزواجهم في الخارج أو في السجون ورفع الطلب إلى المحكمة والتي بدورها تنْفذ الطلاق بدون تردد، ويتم تهديدهم بالسجن أو بالتعذيب أو بتلفيق التهم. وقد نجحت هذه الطريقة مع بعض الازواج وفشلت مع آخرين. وسنذكر الحالات التي نجحت الأجهزة الأمنية في التفريق بينها وبين أزواجها:
- من أهم هذه الحالات وأشهرها ما انتشر من أخبار إرغام آلاء نصيف زوجة الأستاذ جمال خاشقجي على طلب الطلاق والانفصال عن زوجها جمال، وأخبرتها السلطات أن عليها ذلك أو سيتم اتخاذ ضدها إجراءات أكثر قسوة من منع السفر. ثم أبلغتها السلطات أنها ممنوعة من السفر فعلاً بل وأوقفتها في المطار وأعادتها إلى البلد بعد أن حاولت الخروج، وتم إجبارها توّاً برفع قضية خلع في المحكمة. وهذا ماحصل بعد ذلك بالفعل حيث تم الطلاق بحكم من المحكمة أقل ما يطلق عليه طلاق تحت التهديد. إلا أن إعلان خبر الطلاق قد تأخر بناءً على طلب زوجها جمال خاشقجي.
- وفي نوفمبر من عام 2018م ذكرت مصادر مقربة من الناشط (ف ب) زوج الناشطة الحقوقية (ل هـ)، أن السلطات الأمنية أجبرته على تطليق زوجته، وذكرت المصادر أنه تم استدعاء (ف ب) إلى العاصمة الرياض، وأبلغوه أن عليه تطليق زوجته (ل هـ)، بحجة أنها ستضره وتضر عائلته وأضافوا إنها لن تنفعك كونها سجينة. ولكنه رفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً في بداية الأمر، فهددوه بالسجن وتدمير حياته وأنهم جاهزون لإلصاق تهمة الاشتراك بالجاسوسية مع زوجته. فرضخ مجبراً لهذا الطلب بعد الضغط الشديد الذي تلقاه وتم طلاقه منها. وهذا ما أكَّدته الناشطة المقربة من زوجته (ل ش) على حسابها تويتر قبل أن يتم اعتقالها بتهم لها علاقة بالتعبير عن الرأي.
- المحامي والناشط الحقوقي (و أ خ) أحد معتقلي الرأي الذي أُجبر على تطليق زوجته (س ب) والتي استطاع أن يخرجها من السجن في قضية حقوق بعد مرافعته عنها والارتباط بها والانجاب منها. وعندما اعتُقل في إبريل 2014م لم يستمر في السجن شهرين حتى تم طلاق (و أ خ) (س ب)، وقد كانت الرواية الشهيرة بأنه اتفق مع زوجته على الطلاق وهي الرواية التي أرادت الأجهزة الأمنية إيصالها للرأي العام. غير أن هذه الرواية لم تُقنع أحداً خصوصاً وأن هذه الأساليب أصبحت متكرره مع أكثر من معتقل، بالإضافة إلى أن (و أ خ) كان مخفياً قسرياً حين تم الحكم فكيف له ولزوجته اللقاء والاتفاق على أمر كهذا؟.
- أحد المشاهير من معتقلي الرأي (ع ح ع) هو الآخر الذي تم الضغط على زوجته للتفريق بينهما وهو ماحدث بالفعل ليعيش أوضاعاً نفسية صعبة بعد أن فرقت السلطات بينه وبين زوجته وأبقت عليه مسجوناً في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الذي لا يجوز إكراهه على فعل لا يريده.
- اللاجئ السياسي في الخارج (ع ع د) الذي استطاع الخروج من السعودية بحجة العلاج في الخارج لم ينجُ هو الآخر من إكراه زوجته على الطلاق والتفريق بينه وبين زوجته وأم أولاده، والضغط على عائلتها. فقد أرغمت الأجهزة الأمنية زوجته على طلب الطلاق وتم الطلاق بعد ذلك تحت التهديد والوعيد.
العقاب المزدوج
يُذكر أن السلطات الأمنية تتخذ سياسة التفريق بين الزوجين ضد النشطاء والسياسيين وغيرهم من المعتقلين، كنوع من العقاب المزدوج للمعتقل ولذويه في نفس الوقت وبالتالي تزداد معاناة الطرفين فالسجين يشعر أنه صار وحيداً بلا أسرة أو أهل، وذووه يفقدون الشعور بالأمان حيث إن المعيل والكبير الذي يستندون إليه صار بعيداً عن كيان الأسرة، وينقطع الأمل به حتى لو خرج من السجن.