د. وليد فتيحي، مواطن سعودي حاصل على الجنسية الأمريكية، بعد أن درس في الولايات المتحدة الأمريكية الطب، ليعود إلى المملكة ويفتتح مستشفى خاصة به، في مدينة جدة.
كان الدكتور يحاول إعطاء الثقافة التي تنمّي بها عقول الشعوب وتوعيهم للكثير من المفاهيم على مستوى الساحة السعودية، لكن ذلك كلفه الكثير من عمره وصحته، حتى بدأ مسيرة جديدة من المعاناة والكفاح من أجل الحرية، بعد أن كان يقدم وعيا ثقافيا على المستوى الإعلامي والاجتماعي والطبي.
من العطاء إلى الاعتقال
بدأ دور الطبيب وليد فتيحي، تدريجيا منذ تواجده في الولايات المتحدة الأمريكية، حينما كان يدرس هنالك الطب، حيث كانت حياته مفعمة بالنشاطات التي وصفته على إثر ذلك، نيويورك تايمز، بالمواطن الأمريكي النموذجي.
حصل على شهادته من جامعة جورج واشنطن، ثم أكمل دراسته العليا وتدريبه الطبي في جامعة هارفارد ومستشفياتها قبل أن يغادر الولايات المتحدة عام 2006م، ليعود إلى المملكة ويبدأ مسيرة جديدة من العطاء.
وبعد أعوام من النشاط الإعلامي الذي ظهر على شاشات التلفاز، مع النشاط في المؤتمرات واللقاءات؛ تعرض الدكتور فتيحي للاعتقال خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، على يد السلطات السعودية، واحتجزته في فندق الريتز كارلتون في الرياض، مع عشرات من الأمراء ورجال الأعمال والوزراء السابقين، لكن أغلبهم خرج طليقا بعد عدة أسابيع، بينما نُقل فتيحي إلى سجن دائم.
مسيرة إعلامية حافلة
بعد أن عاد فتيحي إلى مدينته جدة، أنشئ المركز الدولي الطبي، وهو مستشفى مجهز بـ 300 سرير افتتحه الملك عبد الله عام 2006، حيث تعاقد الفتيحي مع عدد من الأطباء الذين تلقوا تدريبهم في الولايات المتحدة ودخل في شراكة مع مركز كليفلاند الطبي ولاحقا مع مايو كلينك من أجل جلب المعايير الصحية الأمريكية إلى السعودية.
لم تقتصر نشاطات الدكتور فتيحي على الجانب الطبي، بل كان له اهتماما كبيرا على المستوى الحقوقي والقوانين ليكون من بين ناشطي الحقوق والرأي البارزين في المملكة، حيث برز من خلال المشاركات الفاعلة والندوات واللقاءات التلفزيونية على المستوى العالمي، كما اشتهر من خلال تقديمه لبرنامج محياي، والذي كان يهدف إلى تغيير مفاهيم وسلوكيات سلبية على المستوى الحقوقي داخل المملكة.
خبايا من تحت الغضبان
نشاطات فتيحي الحقوقية والإعلامية كلفته الكثير، حتى وصوله إلى القضبان، بعد أن تعرض للاعتقال في 2017، لتبدأ مسيرة من المأساة والمعاناة التي تعرض لها، بجانب عدد من معتقلي الرأي.
كان للدكتور فتيحي حصة من التعذيب الوحشي الذي تعرض له داخل السجن، حيث ذكر حساب “معتقلي الرأي” في مارس 2019، أن فتيحي يتعرض لجرائم تعذيب بشعة، وأنه أجبر على تعاطي عقاقير لها تأثيرات سلبية على الدماغ”.
وفي السياق ذاته، نقلت بي بي سي عن رئيس منظمة القسط لحقوق الإنسان “يحيى العسيري”، قوله، إن “وليد نقل إلى المستشفى بعد تردي حالته الصحية، ولا نملك تفاصيل عن وضعه الآن.”
انتصار للقضية
كان لفتيحي علاقات قوية على المستوى الدولي، لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ساعدته بالفعل على الضغط على السلطات داخل المملكة للإفراج عنه.
حيث دفعت المواقف والعطاء الذي قدمه الدكتور المعتقل خلال مسيرته على مستوى العقدين الماضيين؛ حقوقيون لإطلاق حملة تدعو واشنطن للضغط على السلطات في المملكة للإفراج عن فتيحي، قائلين “إن صمت الإدارة الأمريكية يثبت مرة أخرى أن ترمب يقدم المصالح الأمريكية على حقوق الإنسان”.
كما كان لدوره الإعلامي السبب الكبير في الانتصار لقضيته، من خلال التقارير الحقوقية للكثير من المنظمات المعنية، على المستوى المحلي والدولي.
وفي سياق متصل، كان لعائلة فتيحي الدور الفاعل في استثمار الجنسية الأمريكية التي يحملها الدكتور، لتطالب السفارة الأمريكية في المملكة، بعدما قامت أولا بمساع هادئة لإطلاق سراحه، فهي تخشى أن تجرّ عليه مزيدا من العقاب، وفقا لما نقلته نيويورك تايمز عن أصدقاء فتيحي.
ولم تقتصر المطالبة بالإفراج عن الدكتور، على عائلته، بل كان للكثير من الإعلاميين والصحفيين والناشطين الدور البارز في ذلك، حيث تعاطف الكثير مع ملف اعتقاله، من بينهم الصحفي السعودي المقتول “جمال خاشقجي”، الذي كتب في حسابه على تويتر، بعد اعتقاله، “ما الذي أصابنا؟ كيف يعتقل شخص كالدكتور وليد فتيحي وما مبررات ذلك؟ وبالطبع الجميع في عجز وحيرة، لا أحد تذهب إليه فتشفع، ولا نائب عام يجيبك فتتحقق، الله المستعان”.
سعت كل هذه الأدوات الضاغطة على السلطات في المملكة، إلى تمكّن الدكتور وليد فتيحي، من الانتصار بقضيته والحصول على الحرية، بعد سنوات من الاعتقال التي طالته أيادي الشر.
حيث أفرج عنه بعد أكثر من 3 أعوام من مكوثه داخل السجن، عقب صدور حكم نهائي بالسجن بحقه لمدة 3 سنوات وشهرين مع وقف تنفيذ نصف المدة ومنعه من السفر مدة مماثلة لمدة سجنه، وذلك في يناير من العام الجاري.
وتبقى قصة فتيحي مدونة في سجل الكفاح الذي يمارسه الشعب السعودي، لمواجهة القمع وتكميم الأفواه، ولتكون قصته درسا لا ينسى يسير عليه ناشطو الرأي وكل الشعب أمام وجه الظلم والطغيان.