رغم أنه لم يكن معارضاً وليس له عداء مع الدولة، إلا أنه دفع ثمنا غالياً بسبب تعبيره عن رأيه في إحدى المحاضرات المؤثرة، والتي تطرق فيها إلى واقع المملكة.
هذه هي قصة الداعية سليمان الدويش، الذي أصبح مخفياً خلف القضبان داخل المعتقلات الحكومية، قبل أن يدخل أولاده أيضا معه بسبب مطالباتهم بمعرفة مصير والدهم.
من هو الدويش؟
يعد الشيخ سليمان الدويش من دعاة المملكة البارزين الذين كان لهم نشاط مؤثر في كثير من المدن السعودية، وله محاضرات دينية مؤثرة وكثيرة.
حاصل على الدكتوراه في الشريعة الإسلامية وكان يعمل في الجامعات السعودية في قسم أصول الدين، ونشط في الدعوة والإرشاد عبر الإعلام والمحاضرات الميدانية.
اتصف الدويش بوضوح الرؤية والكلام في حديثه ومحاضراته، وكان يسعى جاهدا إلى الإصلاح الفكري الديني وإيصال صوت الدعوة إلى كل شبر من بلاد الحرمين.
تهم وإخفاء
تعد قضية اعتقال الدويش من القضايا الغريبة التي تثير الرعب والقلق على مصير واقع الحريات والحقوق في المملكة، فلم تكن عملية الاعتقال رسمية، بل كانت عملية اختطاف ممنهجة وإخفاء قسري.
وبحسب المعلومات التي كشفها مالك سليمان نجل الداعية الدويش، فإنه تعرض للاختطاف خلال رحلة له إلى مكة، بعد أن قدّم محاضرة عبّر فيها عن رأيه حول أوضاع المملكة.
وجاء الاعتقال بعد أن نشر محاضراته على هيئة مقاطع قصيرة في حسابه عبر تويتر، والذي يتابعه أكثر من 133 ألفا، وهو ما جعل النظام يطارده حتى اختفى.
بقي الداعية سليمان الدويش مخفيا منذ تلك اللحظة، وقامت عائلته –لاسيما أولاده-، بالتواصل مع الجهات الحكومية لأيام عديدة لمعرفة مصير والدهم، حتى أخبروهم بعد أسبوع أنه قد يكون معتقل ويجب مراجعة وزارة الداخلية.
ومنذ اعتقاله في 22 أبريل 2016م، لم يُرَ الدويش في العلن ولم يسمع عنه شيء منذ ذلك الحين، وظلت عائلته تفتقر المعلومات الكافية حول مصيره المجهول.
اعتقال أسرة
لم تتوقف مأساة قصة الداعية سليمان الدويش عند الاعتقال فقط، بل الإخفاء القسري الذي دفع أولاده إلى المطالبة المستمرة في معرفة مصير والدهم المختفي، حتى كانت الصدمة مؤخرا.
بدأ النظام باعتقال أولاده تباعا، وهم كل من عبد الرحمن وعبد الوهاب ومالك، بسبب التواصل مع الجهات الحكومية والمطالبة بالكشف عن مصيره.
كما أن الشاب مالك الدويش قد اعتقل بسبب حديثه مع صحيفة “وول ستريت جورنال” حول قضية والده وطريقة الاعتقال وسببها، وذلك قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة بأسبوع.
وأصبحت قضية الدويش قضية أسرة بأكملها، عبرت عن رأيها وطالبت بحقوقها فكان مصيرهم السجن بلا مبرر قانوني.
أبعاد قانونية
تعد قضية اعتقال الداعية سليمان الدويش وأولاده الثلاث، انتهاكا صريحا للقوانين والمعاهدات والإعلانات الدولية، وكذلك القوانين المحلية.
حيث جاءت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتؤكد على أنه لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء من دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود، في حين جاء اعتقال سليمان الدويش بسبب تعبيره عن رأيه حول أوضاع المملكة وسياسة الدولة.
وكذلك تنص المادة 35 من نظام الاجراءات الجزائية الصادر عام 1435 هـ على منع الاعتقال التعسفي حيث جاء فيها: “في غير حالات التلبس بالجريمة، لا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك”، وكذلك تفصل مواد هذا النظام مسائل أخرى مرافقة ومتعلقة بموضوع التوقيف أو الاحتجاز لمن هو متلبس بجنحة أو جناية ووفق القانون، فما بال من تم توقيفهم تعسفيا؟
كما تعتبر السعودية طرفا في العديد من المواثيق والعهود الدولية فهي إحدى الدول المصدقة على الميثاق العربي لحقوق الإنسان (2009) والصادر عن جامعة الدول العربية، ثم المعاهدة الدولية ضد التعذيب، والتي انضمت إليها السعودية بتاريخ 23 سبتمبر 1997، والقانون الدولي العرفي، والذي يوجب على السعودية في ضوء ما ألزمت نفسها به من معاهدات أن تحترم مبادئ حقوق الإنسان التي تضمن الحريات الأساسية وتحرم ممارسة الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري.
وتبقى قضية عائلة الدويش من القضايا التي تثير الريبة والقلق على واقع الحريات وحقوق الإنسان في المملكة، وسط ضرورة ملحة لإعادة النظر في قضيتهم احتراما للعدالة والقوانين المحلية منها والدولية.